فصل: بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ:

قَالَ: (الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا) وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ».
ثُمَّ الشُّبْهَةُ نَوْعَانِ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ، وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً.
فَالْأُولَى: تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَظُنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ.
وَالثَّانِيَةُ: تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالنَّوْعَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْأُولَى وَإِنْ ادَّعَاهُ، لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي الْأُولَى، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ، وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الثَّانِيَةِ.
فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَأُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ، فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلِيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَالْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلِيَّ حَرَامٌ.
ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّفِقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْنَا هَذَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاذًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ فَادْرَأْهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ شُبْهَةٍ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ.
(وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَةً ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ) لِزَوَالِ الْمِلْكِ الْمُحَلِّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً، وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ.
وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ، لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ، لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَالْمُخْتَلِعُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ، لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامِ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يُحَدَّ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهِ، فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْحِكَايَاتِ، وَكَذَا إذَا نَوَى ثَلَاثًا لِقِيَامِ الِاخْتِلَافِ مَعَ ذَلِكَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، لَا يُحَدُّ، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ قُلْت: مَذْهَبُ عُمَرَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ، فَقَالَتْ: لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْت كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: قَدْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك، فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرَاهَا وَاحِدَةً، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ، وَسَأَلْت أَمِيرَ الْمُومِنِينَ عُمَرَ، فَقَالَ: مَاذَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت: أَرَاهَا وَاحِدَةً، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَلَوْ رَأَيْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِالْأَسَانِيدِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمُتُونُهَا بِلَفْظِهَا سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ: إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْهُ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَزَوْجُهَا أَمْلَكُ بِهَا. انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ وَالْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ ثَلَاثٌ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَهُ مَا نَوَى، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَجَاءَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُك؟ قَالَ: إنِّي مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ، وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ كَمَا تَرَاهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، كَمَا تَرَاهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ: إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالزَّوْجُ أَمْلَكُ بِهَا، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ بَرِيَّةٌ: إنَّهَا وَاحِدَةٌ. انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ، إلَّا أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ فَيَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ، فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ قَالَا، فِي الْبَرِيَّةِ، وَالْخَلِيَّةِ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: هِيَ ثَلَاثٌ ثَلَاثٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ، قَالَ الرَّجُلُ: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ فَعَلْته؟، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا دَاوُد بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَتَّةِ وَالْبَائِنِ وَالْحَرَامِ: ثَلَاثٌ، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَقَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ. انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ: إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. انْتَهَى.
مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ: أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، انْتَهَى.
الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ حَدِيثٌ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الطَّلَاقِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْت لِأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَالَ فِي أَمْرُك بِيَدِك: إنَّهَا ثَلَاثٌ؟ قَالَ: لَا، إلَّا الْحَسَنَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا، إلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثٌ، قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيت كَثِيرَ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ، فَسَأَلْته، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْت إلَى قَتَادَةَ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: نَسِيَ. انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَافِظًا، صَاحِبَ حَدِيثٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزْوًا وَلَعِبًا؟ مَنْ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي إسْنَادِهِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْكُوفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ عَبْدِ الْغَفُورِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَاسِطِيِّ، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ رُكَانَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَدْت؟ قَالَ: وَاحِدَةً قَالَ: أَلْبَتَّةَ قَالَ: أَلْبَتَّةَ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هِيَ عَلَى مَا أَرَدْت، وَرَدَّهَا إلَيْهِ»، زَادَ أَبُو دَاوُد، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، انْتَهَى.
قَالَ: أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ رُكَانَةَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَالزُّبَيْرُ أَضْعَفُهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلِيَّ حَرَامٌ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ، لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْأُبُوَّةُ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ.
قَالَ: (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي قَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَيُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى عَنْ يُوسُفَ لَا يَضُرُّهُ، فَإِنَّ غَرَابَةَ الْحَدِيثِ وَالتَّفَرُّدَ بِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ: «رَحِمَ اللَّهُ الرَّجُلَ سَمْحًا إذَا بَاعَ»: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو غَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيٌّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكُلُّهَا مُخَرَّجَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَلَصَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَهْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اُدْعُهُ لِيَهْ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ ابْنَك يَزْعُمُ أَنَّك تَأْخُذُ مَالَهُ، فَقَالَ: سَلْهُ، هَلْ هُوَ إلَّا عَمَّاتُهُ، أَوْ قَرَابَاتُهُ، أَوْ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي؟ فَقَالَ: فَهَبَطَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْخَ قَالَ فِي نَفْسِهِ شِعْرًا، لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْت فِي نَفْسِك شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاك فَهَاتِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ يَزِيدُنَا اللَّهُ تَعَالَى بِك بَصِيرَةً وَيَقِينًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: غَذَوْتُك مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا تُعَلُّ بِمَا أَحْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ لِسُقْمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك وَإِنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُوَكَّلُ كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقَ دُونَك بِاَلَّذِي طُرِقْت بِهِ دُونِي فَعَيْنِي تَهْمِلُ فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي إلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْت أُؤَمِّلُ جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ قَالَ: فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخَذَ بِمَنْكِبِ ابْنِهِ، وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَأَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» وَعَقَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا فِي الدَّلَائِلِ فَقَالَ: بَابُ إخْبَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشَّعْرَ ثُمَّ ذَكَرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُ أَبَاهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْحَوْرَانِيِّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، فَذَكَرَهُ، بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي إسْمَاعِيلَ، فَأَرْسَلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَسْنَدَهُ إلَّا أَبُو إسْمَاعِيلَ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَا يُتَابَعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ: وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَثَّقَهُ عَنْ شُعْبَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الطَّرَابُلُسِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ ذِي حِمَايَةَ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ ذِي حِمَايَةَ وَكَانَ مِنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، وَضَعَّفَهُ تَضْعِيفًا يَسِيرًا، وَقَالَ: إنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سُمَيَّةَ ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: قَرَأْت عَلَى الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حُرَيْزٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مَيْمُونُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيهِ لِينٌ، انْتَهَى.
(وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلِيَّ حَرَامٌ حُدَّ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ، فَظَنُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مُحْتَمَلٌ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي، وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ فِي الظَّاهِرَ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ لِمَا بَيَّنَّا.
(وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقَالَتْ النِّسَاءُ: إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِالْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْإِخْبَارُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ، فَصَارَ كَالْمَعْرُورِ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَقَالَتْ النِّسَاءُ إنَّهَا زَوْجَتُك، فَوَطِئَهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
(وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الَّتِي فِي بَيْتِهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ كَانَ دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ، وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ.
(وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَاقَعَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَلَكِنْ يُوجِبُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو، كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُهُ الْحِلُّ.
وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ، لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَقْبَلُ مَقْصُودَهُ، وَالْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ، لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ لَا نَفْسَ الثَّابِتِ إلَّا أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً، وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ.
(وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ (وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُعَزَّرُ، وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ، وَقَالَا: هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ فِي قَوْلٍ: يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ».
وَيُرْوَى: «فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ»، وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا، لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ.
وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجَبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ، وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مِثْلُهُ وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَقَالَ: مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ غَيْرَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: «مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ»، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو صَدُوقٌ، لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيرَ وَقَالَ النَّسَائِيّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيِّ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ، وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو ثِقَةٌ، يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَلَيَّنَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهُوَ لَيْسَ بِضَعِيفٍ، وَلَا مُسْتَضْعَفٍ، وَلَا هُوَ فِي الثِّقَةِ كَالزُّهْرِيِّ، بَلْ دُونِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ إلَّا عَنْ عَاصِمٍ عَنْهُ، انْتَهَى.
ورَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ: فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ، وَعَاصِمٌ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيَّ سَاقِطٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيُرْوَى: فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ»، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَزَيْدَ بْنَ الْحَسَنِ يَذْكُرُونَ: «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ فَجَرَ بِغُلَامٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَيْحَكُمْ أَيْنَ الشُّهُودُ؟ أَحْصَنَ؟ قَالُوا: تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَوْ دَخَلَ بِهَا لَحَلَّ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ فَاجْلِدْهُ الْحَدَّ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الَّذِي ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ، فَأَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ، فَجُلِدَ مِائَةً»، انْتَهَى.
وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ اللِّوَاطَ زِنًا وَفِيهِ الْحَدُّ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ فَاحِشَةً، فَقَالَ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت فَاحِشَةً فَطَهِّرْنِي»، الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْفَاحِشَةُ الزِّنَا، ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُ الزِّنَا قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَطْعِ النَّبَّاشِ، بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَأْتِي زَمَانٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ، أَوْ قَالَ: بِالْوَصِيفِ» يَعْنِي بِالْبَيْتِ الْقَبْرَ، قَالُوا: وَالْبَيْتُ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْقَبْرِ، وَتَرْجَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بَابَ قَطْعِ النَّبَّاشِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا رَجَمَ لُوطِيًّا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: «أُتِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِسَبْعَةٍ فِي لِوَاطَةٍ: أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ قَدْ أَحْصَنُوا، وَثَلَاثَةٌ لَمْ يُحْصِنُوا، فَأَمَرَ بِالْأَرْبَعَةِ فَرُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ، وَأَمَرَ بِالثَّلَاثَةِ فَضُرِبُوا الْحَدَّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ»، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِأَرْبَعٍ، فَذَكَرَهَا، وَذَكَرَ الرَّابِعَ: وَرَجُلٍ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجَبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ، يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ، فَسَأَلَهُمْ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا عَلِيٌّ، قَالَ: هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ فِي آخِرِ رِدَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُخْبِرُك أَنِّي أُتِيت بِرَجُلٍ قَامَتْ عِنْدِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ يُوطَأُ فِي دُبُرِهِ، كَمَا تُوطَأُ الْمَرْأَةُ، فَدَعَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ: أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَأْنَفُ أَنَفًا لَا يَأْنَفُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُمَا: اجْلِدُوهُ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ حَرِّقْهُ بِالنَّارِ، فَحَرَّقَهُ خَالِدٌ، فَقَالَ الْقَائِلُ فِيهِ شِعْرٌ:
فَمَا حَرَّقَ الصِّدِّيقُ جَدِّي وَلَا أَبِي ** إذَا الْمَرْءُ أَلْهَاهُ الْخَنَا عَنْ حَلَائِلِهِ

أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا حَدُّ اللُّوطِيِّ؟ قَالَ: يُنْظَرُ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ، فَيُرْمَى مِنْهُ مُنَكَّسًا، ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ بِهِ، انْتَهَى.
(وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً، وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يُنْفَرُ عَنْهُ، وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا، وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ، قَالَ: قُلْت لَهُ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا، وَقَدْ عَمِلَ بِهَا هَذَا الْعَمَلَ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْبَاقُونَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِالسَّنَدَيْنِ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى.
وَلَفْظُهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَلَا أَرَى عَمْرَو بْنَ أَبِي عَمْرٍو يَقْصُرُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ فِي الْحِفْظِ، كَيْفَ وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَعِكْرِمَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، وَمَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَأْتِي بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ مَعَهُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي ذِكْرِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَعْنِي حَدِيثَ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ.
(وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدُّ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَهُ أَيْنَمَا كَانَ مُقَامُهُ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ»، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيَعْرَى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَلَا تُقَامُ بَعْدَمَا خَرَجَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً، وَلَوْ غَزَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ الْمِصْرِ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ، لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تُفَوَّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ».
قُلْت: غَرِيبٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَإِلَى عُمَّالِهِ أَنْ لَا يُقِيمُوا حَدًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى الْأَرْضِ الْمُصَالَحَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، انْتَهَى.
وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَزَادَ: لِئَلَّا تَحْمِلَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْكُفَّارِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ فُلَانِ بْنِ رُومَانَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ»، انْتَهَى.
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: فِي الْغَزْوِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ فِي الْغَزْوِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ، وَمَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، انْتَهَى.
وَبُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُنْكِرُونَ سَمَاعَ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ رَجُلُ سُوءٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ سُوءِ فِعْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرَّةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَغِيرًا، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِإِطْلَاقِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي حَدِّ الزَّانِي، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَجَلْدِ الْقَاذِفِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»، وَرَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ فِي السُّنَنِ، انْتَهَى.
(وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ، فَزَنَى بِذِمِّيَّةٍ أَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيَّةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَالْحَرْبِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الذِّمِّيِّ) يَعْنِي إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ، فَأَمَّا إذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ بِذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدَّانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ.
لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَلِهَذَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا، بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ مَا دَخَلَ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمِ وَلَا الذِّمِّيِّ بِهِ وَإِنَّمَا اُلْتُزِمَ مِنْ الْحُكْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ، لِأَنَّهُ لَمَّا طَمِعَ فِي الْإِنْصَافِ يَلْتَزِمُ الِانْتِصَافَ وَالْقِصَاصَ، وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ.
أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ، وَلِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ أَمَّا الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ، وَنَظِيرُهُ إذَا زَنَى الْبَائِعُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَتَمْكِينُ الْبَالِغَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَا يُخَاطَبَانِ، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُحَدُّ.
قَالَ: (وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
(قَالَ زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ.
لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ.
وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا، وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةٌ وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ فِي مَعْنَى الْمَرْضِيَّةِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ، فَتَعَلُّقُ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قَبِيحِ الزِّنَا، وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤَثَّمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ.
قَالَ: (وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى زَنَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: أَوَّلًا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالِانْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، لِأَنَّ الِانْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَا يُحَدُّ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَهُمَا قَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا الْخُرُوجُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا.
(وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ، وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ: تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ.
(وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) مَعْنَاهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا، لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا زَنَى بِهَا، وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ، لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ، لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.
قَالَ: (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتَهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ مِنْهَا، وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ قَالُوا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.